العمل الخيري من أجل الأعمال وأحبها إلى الله، فهو يشعر الإنسان بالرضا النفسي والمصالحة مع الذات والانتماء الوطني، وقد أُلفت عنه الكتب الكثيرة المحلية والعالمية فما هو العمل الخيري وما هو مفهومه؟ وما هو السبب في وجوده ؟ وماهي رسالته السامية ؟ وهل العمل الخيري منوط بمؤسسات وأفراد ذوو خصائص معينة؟ أسئلة كثيرة تحتاج منا إلى مزيد من العلم والمعرفة تجاهها ، وسأحاول في هذا المقال أن أجيب عن تلك الأسئلة .

إن العمل الخيري عمل شمولي وركيزة أساسية في تقدم الأمم ونهضة البلدان وليس مقيداً بمنظمات ومؤسسات خاصة ولا حتى أفراد؛ بل هو أشمل من ذلك ولهذا فالواجب أن نفهم تلك الأبعاد وفق آفاق ورؤى شمولية بحيث لا تكون نظرتنا قاصرة أو محدودة فالعمل الخيري كما هو في المعجم الوسيط (كل عمل منسوب إلى الخير ، متسم به ، هادف إلى النفع العام) فهو يهدف إلى النفع العام وحتى تستقيم الحياة لابد أن يكون في حياتنا اليومية وتعاملاتنا وأقوالنا وأفعالنا، فالعمل الخيري ليس بالمال فقط بل بكل مايهدف إلى النفع العام من الأقوال والأفعال ولاتكفي النية لوحدها .

فالمعلم في فصله والقاضي في محكمته والطبيب في عيادته والإداري في مكتبه وغيرها من الأعمال الدنيوية ذات الاحتياج البشري لابد أن يخالطها العمل الخيري الذي يسهم في التنمية.

فعندما يبذلون جهدهم بالتعليم والتعلم والمطالعة وبذل النفس في أوقات عملهم وخارجها ويهدفون إلى النفع العام وخدمة دينهم ووطنهم ويستشرفون المستقبل ويفكرون في الأجيال القادمة فهؤلاء يقدمون أعمالاً خيرية ذات أثر مستدام، عندما يسعى ذلك الأب وتلك الأم في تربية أبنائهم وتعليمهم وتهيأتهم للنفع للصالح العام فتلك الأعمال يصدق عليها عمل الخير فهم يبنون أجيالاً سوف تسهم في بناء المستقبل يجب أن نتحرر من ضيق التفكير عن عمل الخير المؤطر إلى سعة الأفق وأن كل واحد منا يستطيع فعل الخير بما كلفه الله وأعطاه من قدرات وممكنات.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن يتسم العمل الخيري بالتنوع في التخصصات والمجالات حسب الاحتياجات البشرية المتجددة ، بحيث يتم الموازنة بين التفكير الرعوي والتفكير التنموي ونكرس الجهود في تأسيس ودعم القطاعات غير الربحية المؤثرة على المدى البعيد مثل التركيز على البحوث والابتكارات والإبداع والتربية والأمن السبراني والذكاء الاصطناعي وتعزيز القيم والسلوك الغذائي والرياضي والفنون الجميلة وغيرها من الأنشطة ذات الأثر المستدام على المدى البعيد، يجب أن نواكب نهضة العالم والتقدم الفكري ونستفيد من الممارسات المحمودة .

إن القطاع الخيري هو مساند وعنصر أساس للدول المتقدمة وليس بمنأى عنها وآثارة كبيرة على الفرد والمجتمع والقوة الاقتصادية والعملية والعلمية والاجتماعية كما هو في الغرب؛ حيث يوجد جامعات ومستشفيات ومنظمات ومصانع مؤثرة غير ربحية حتى وصل لديهم عدد المنظمات غير الربحية بمافيها المؤسسات 500 ألف وبلغت إيراداتها في 2004 مايقارب 1،36 تريليون دولار أمريكي، وبلغت أصولها نحو.2،97 تريليون دولار أمريكي.

وقد قامت المنظمات الخيرية بتوظيف 12،5 مليون شخص عام2001 بمايمثل 9.5% من إجمالي فرص التوظيف ناهيك عن إنفاقهم وتطوعهم، ففي عام 2000 وصل عدد الأسر الأمريكية التي تقدمت بتبرعات خيرية 89% ، كما وصل عدد المتطوعين 83 مليوناً بعدد ساعات 15،5 مليار ساعة وقيمة اقتصادية 239 مليار دولار أمريكي، كما ذكرته الدراسة المسحية التي أجراها القطاع المستقل.

إن العمل الخيري يتصدى للقضايا الأخلاقية والاجتماعية الأكثر أهمية وتؤثر على المجتمع ويعالجها ويسهم في التنمية من خلال التخصصات التنموية، فالواجب علينا أن نربي أنفسنا ومن نعول على عمل الخير ويكون اصلاً في حياتنا الاقتصادية والسياسية والتعليمة والاجتماعية فكلها لها ارتباط من قريب وبعيد به.

ومن هذا المنطلق نأمل أن يعكس عمل الخير والتطوع في مناهجنا التعليمية وتغرس تلك القيم النبيلة في نفوس الطلبة وتعزز لدى الكوادر التعليمية التي سينعكس آثارها على الأجيال ولانكن رأسماليين وماديين و نبحث عن مصالحنا الخاصة فوق مصلحة العامة .

والمتأمل للشريعة يجد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة التي حثت على فعل الخير ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى{وَلِكُلّ وُجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اَللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال تعالى {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وقال تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة.”

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ) والآيات والأحاديث الدالة على فعل الخير كثيرة بالمعنى المباشر أو بمدلولها وامتثلها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعون ومن تبعهم إلى يوم الدين، فالمسلم مفطور على حب الخير والعمل الخيري لكل من يعيش على هذا الكوكب ومحركه الأساسي رضا الله عز وجل وخدمة دينه ووطنه .

والرؤية الوطنية للمملكة العربية السعودية 2030 عززت فعل الخير من خلال أهدافها المباشرة في زيادة عدد المنظمات غير الربحية في مختلف المجالات التنموية وزيادة عدد المتطوعين ومشاركة المسؤوليات المجتمعية في القطاع الخاص وتمكين تحقيق أثر أكبر للقطاع غير الربحي وتقديم الخدمات الإنسانية العالمية للدول المنكوبة.

ومن الأهداف غير المباشرة التي انعكست في التعليم والصحة والاقتصاد وخدمة ضيوف الرحمن وغيرها من مجالات الحياة التي سيعود أثرها على الوطن.

فنسأل الله لبلادنا وقادتنا وعلمائنا وأبنائنا التوفيق والإعانة والسداد، وأن يرزق حكامنا البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير، وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار .